أكتوبر.. يوم تحوّل فيه المستحيل إلى واقع
في السادس من أكتوبر عام 1973، دوّى صوت الحق على ضفاف القناة، معلنًا ميلاد فجر جديد للأمة المصرية والعربية. كان يوم العبور أكثر من مجرد عملية عسكرية؛ كان لحظة وعي وكرامة وعقيدة وطنية أكدت أن مصر لا تُهزم إذا اتحد شعبها خلف هدف واحد.
خاض الجندي المصري معركة الشرف والعزة، فعبَر الصعاب قبل أن يعبر القناة، مؤمنًا بوطنه وبأن الله لا يضيع من يخلص في عمله. كان ذلك النصر تتويجًا لسنوات من الإعداد والتحدي، ورسالة للأجيال القادمة أن الإرادة تصنع المستحيل.

أكتوبر في الوجدان التربوي والاجتماعي
ومع مرور اثنين وخمسين عامًا على ذلك اليوم المجيد، تظل معاني أكتوبر مدرسة مفتوحة لبناء القيم وغرس روح الانتماء والولاء في نفوس الطلاب.
فكما حمل الجندي البندقية ليحرر الأرض، يحمل الطالب اليوم قلمه وعقله ليبني المستقبل ويصون الوطن بعلمه ووعيه.
من هنا يأتي دور الأخصائي الاجتماعي في المدرسة، باعتباره المربي الثاني بعد الأسرة، وصاحب التأثير المباشر في تشكيل شخصية الطالب. فالأخصائي لا يقتصر دوره على حل المشكلات السلوكية، بل هو صانع للوعي الوطني، يغرس في الطلاب قيم التعاون، والتضحية، والمسؤولية الاجتماعية من خلال الأنشطة الهادفة.
المدرسة كبيئة لغرس روح أكتوبر
المدرسة هي أول ميدان يتعلّم فيه الطالب معنى الانتماء الحقيقي.
ومن خلال الأنشطة التربوية والإذاعات المدرسية والندوات، يمكن إعادة إحياء قيم نصر أكتوبر في نفوس الأجيال الجديدة.
ففي صباحات أكتوبر، يمكن أن تبدأ الإذاعة المدرسية بكلمات عن بطولات الجنود، وأغنيات وطنية تلهب الحماس وتعيد إلى الذاكرة لحظات العبور الخالدة.
ويمكن تنظيم ندوات حوارية داخل المدارس تستضيف أبطالًا من القوات المسلحة أو أبناء الشهداء، ليحكوا للطلاب عن معنى التضحية والوطنية الحقة.
تلك الممارسات البسيطة تُرسخ في وجدان النشء فكرة أن حب الوطن ليس شعارًا يُقال، بل سلوكًا يُمارس كل يوم.
الاتحادات الطلابية.. نموذج مصغر للوطن
ولا يمكن إغفال الدور الحيوي الذي تقوم به الاتحادات الطلابية في هذا الإطار.
فالعمل داخل الاتحاد يُعلّم الطلاب الديمقراطية، وتحمل المسؤولية، واحترام الرأي والرأي الآخر — وهي نفس القيم التي جسّدها أبطال أكتوبر في ساحة القتال، حين اتحدت إرادتهم خلف هدف واحد هو النصر.
إن مشاركة الطلاب في التخطيط للأنشطة الوطنية داخل المدرسة تعزز إحساسهم بالانتماء، وتمنحهم شعورًا بأنهم جزء فاعل من الوطن، تمامًا كما كان كل جندي في أكتوبر جزءًا من معادلة النصر.
القيم التي ينبغي أن تبقى
نصر أكتوبر ليس مجرد ذكرى تاريخية، بل هو قيمة تربوية خالدة ينبغي أن تبقى حيّة في وجدان الأجيال.
علّمنا أكتوبر أن العمل الجماعي أساس النجاح، وأن الانضباط والالتزام يصنعان المجد، وأن التضحية في سبيل الوطن هي أسمى درجات الشرف.
كل قيمة من هذه القيم يمكن أن تتحول إلى درس تطبيقي داخل المدرسة، يعيشه الطالب في سلوكه اليومي.
الخاتمة: أكتوبر باقٍ في الذاكرة والوجدان
الاحتفال بالذكرى الثانية والخمسين لنصر أكتوبر المجيد ليس مجرد طقس سنوي، بل هو تجديد للعهد مع الوطن بأن تظل رايته مرفوعة وقيمه حاضرة في عقول أبنائه.
إن واجبنا اليوم أن نُورث أبناءنا ما ورّثنا الآباء: الإيمان بالوطن، والفخر بالهوية، والعزيمة التي لا تنكسر.
فكما قال الرئيس الراحل محمد أنور السادات في خطابه التاريخي يوم النصر:
"لقد استعدنا شرفنا واستعدنا كرامتنا، واستعدنا الارض التي سلبت منا."
رحم الله شهداء أكتوبر، وبارك في أجيال مصر التي تحمل الراية من بعدهم بعلمٍ ووعيٍ وحبٍ لهذا الوطن العظيم.
المصادر
خطابات الرئيس محمد أنور السادات، الهيئة العامة للاستعلامات.
الموسوعة القومية للتاريخ العسكري المصري، وزارة الدفاع.
دراسات المركز القومي للبحوث التربوية حول القيم الوطنية في المدارس (2022).
توثيق حرب أكتوبر 1973 – الشؤون المعنوية للقوات المسلحة المصرية.